يا مصرُ جِـئتُ وكم عبَـرْتُ سَرابا
واستـقْبِلي ظَـمأي بِـنيلٍ أسـمرٍ
وَأْتـي بآلـهةِ العُـذوبـةِ عَـلّها
أَشكو لنـيلِكِ ما ظَمِـئْتُ وإنّنـي
فإذا الـحبـيبُ إلـى أحبّتِهِ اشتكى
وإذا فلسطـيـنُ اكتوتْ بـغَـليلِها
وإذا العـروبـةُ بالفُـتورِ تـفترت
حتى إذا بـدَلَ الـزّمانُ رِجـالَـهُ
يا مصرُ كُنتِ لِـمنْ يُـصلّي لـلعُرو
كتبَ الزمانُ على جبـيـنِكِ ما تَراه
قَدرٌ عليكِ بـأن تكونـي الدُّرّةَ الـ
خَـرَزٌ على كل الـجهاتِ مُبعـثَرٌ
وهـناك ثوْرٌ أحـمرٌ لاقـى مصيـ
وهناك مـجْـدٌ غـائبٌ وهناك منْ
منْ ذاقَ طعْمَ الـمجْدِ يَسعى دائـمًا
يا مصرُ والتاريـخُ بحـرٌ غـامِـرٌ
فَـعَـلـى وُجوهِ الـماءِ دُرُّكِ عائمٌ
لـكِ من صُدورِ الغابِـرينَ غَمامَـةٌ
عَشِقَ الفَراعـنةُ الخُلودَ فشيّدوا الـ
رَفـعوا قَواعـدَها فأصـبحَ رَفْـعُها
لكنما كُبـرى العَجـائِبِ أن يَـكو
وبناءُ مـجْـدٍ لـلبَقاءِ وَكَـلْكَـلٍ
يا مصرُ منْ طَلبوا بأرضِكِ مَـجْدَهم
أرأيتِ عمرو العاص فـي فُسطاطِـهِ
فتَحَ السّماءَ عليكِ تَـتْلو مـجْـدَها
يَكفـيكَ يا ابـنَ العاصِ فخرًا سامِقًا
جَلبوا الخَلاصَ لأُمّـةِ الأقباطِ مِـمْـ
يا مـصرُ أهـلُكِ ليسَ فـيهِمْ كافِرٌ
الـكلّ يـعـبُدُه ولـيسَ لِـمِـلَّةٍ
فاللـهُ في الـقُرآن يـستمعُ الدُّعـا
والـكلّ مـصريٌّ فـليستْ مِـلّـةٌ
لا كـافـرٌ يا مـصرُ إلا منْ يَـخو
ذاك الذي صُـبّـي عـلـيهِ جَهنّمًا
يا مصرُ أهلُكِ طَـيِّـبونَ بِطَـبْعهِمْ
يَـتـكَدّسُ الإحباطُ في أجـيابـهم
ما زِلتِ أمّ الصّابـرين ولَـمْ يَـزَلْ
ما ضرَّ لوْ أصبحتِ أمّ الـمُكتَـفيـ
صَبـرٌ على صبـرٍ وزادَ الصّابِِـرو
أنا صابـرٌ يا مـصرُ مثلَ بَـنيكِ لا
فهُناك في وطَني فَـقدْتُ مَواسـمـي
لكنّـنـي ما ضاعَ غصنُ بَـلابِـلي
أَرضَى بـما مَلكَتْ يَـمينُ مَواهِبـي
يا مصرُ جِـئْـتُكِ طارِقًا بابَ الرِّضا
ولْتُدخِليـني في جِنانِ الرُّوح تَـخْـ
بإمارةِ الشِّعرِ الأمـيرُ يُـذيـقُـنـي
وبِدولـةِ الـنّـثْرِ انـثُرينـي قِصّةً
وبِمسمعي من كوْكبِ الشّرقِ اسْكُبي
حتّـى نقاءُ الـخَيْلِ مِنْكِ وإنّـنـي
يا مـصرُ شِدْتِ لِـكلّ فـنٍّ قِـمّةً
أمُّ الـدُّنَـى يا مـصـرُ دونَ ولادَةٍ
فلْـتُـخْفِض الدُّنيا جَناحَ الذُّلِّ كَيْ
ربُّ الـحضارةِ حَطَّ فـيكِ رِحالَـهُ
فَحَرِيَّـةٌ أنْ تُصـبِحـي أمَّ الدُّنَـى
|
|
حتـى وَصَلتُ فهـيِّـئي الأكوابا
يهوى الـغَليلُ سَـمارَه الـمنسابا
تلكَ الكؤوسُ تُعـيدُهـنَّ عِـذابا
أشكو لشعبِكِ ما سُلِـبْتُ شِـعابا
لا بدّ أن يَلقى الـحـبـيبُ جَوابا
فـي مصرَ تـلقى موْردا وشـرابا
سـتَـظلُّ مصرُ أُوارَها الـلـهّابا
وإذا الـمَسيـرةُ بَـدّلتْ أحقابـا
ـبةِ قِـبُـلةً ولِـمنْ دَعا مِـحرابا
العـيـنُ حتـى إن لبستِ حِجابا
ـوسطى بـعـقدٍ لا يـزينُ رقابا
والـقومُ فـي أيـدي سَبَا قد سابا
ـرَ الأبـيضِ الـدّامي فقالَ خِطابا
لـلمجدِ ليسَ وَلا يـطيـقُ غِـيابا
لبـقـائِـهِ ورُجوعِـهِ إن غـابـا
ما غُـصتُ فيهِ وما مَـخرْتُ عِبابا
مـتلألـئٌ يـتَـصـيّدُ الألـبـابا
هَـطـلَتْ عليكِ مَعاجِزًا وعِـجابا
أهـرامَ من أجـلِ الـخُـلودِ قِبابا
إحدى العـجائِـبِ دِقّـةً وحسابا
ـنَ هَوى الـخُلودِ لِرفْـعِها أسبابا
طَـحَـنَ الـدّهورَ ومزّق الأحقابا
عَـرفوكِ أرضـًا تُـلهِمُ الطُّـلابا
فَتْحًا مُبـيـنـًا فـي مَداكِ أصابا
لـمّا أتـى يَـتْـلو عـليكِ كِتابا
فرَحُ الـمُـقَوْقِسِ إذْ رأى الأعرابا
ـمَنْ سامَها باسمِ الـمسيحِ عَذابا
أوْ مُـشركٌ أو عـابِـدُ أنـصـابا
ربٌّ سـواهُ الـواحـدَ الـتّـوّابا
واللهُ في الإنـجـيلِ يَـفـتـحُ بابا
أهـلَ الـبـلادِ ومِـلَّـةٌ أغـرابا
ـنُـكِ أوْ لِـمَـأرَبِهِ يَعيثُ خَرابا
واصْليهِ في غَضبِ الـلهـيبِ عِقابا
لـكنّ طَـبعَ مَـعـيشِهمْ ما طابا
بَـدلَ الـنُّـقودِ وَيـوغِرُ الأعصابا
لِبَـنـيكِ صَبـرٌ يَغـفُـرُ الأتعابا
ـنَ وأمّ مـنْ رَغَدَ الـحياةِ أصابا
ن أما كـفاكِ مَـزيـدُهُمْ إنـجابا
أَلْوي على ما يُـشْـبِـهُ الأذهـابا
وهُـنـاكَ منْ عُمري أضعْتُ شَبابا
ولِقمْحِ روحي مـوْسمٌ مـا خـابا
وَبِـما عَـصرْتُ الـفَـنَّ والآدابا
فَـلْتـفْـتَحي في وَجـهِيَ الأبوابا
ـلِبُني وأعشق ضَوْعَـها الـخلابا
فَجرَ النّـبـيذِ ويُوقـظُ الأنـخابا
تَروي "نـجيبَ" وغَيـرَه أنـجابا
نـورًا يُـطارِحُ عَـبْـدَكِ الوَهابا
أهْوى الـخُـيولَ،وهُنّ مِنْكِ ،عِرابا
وأضَأتِ مِـنها أنْـجُـمًا وشِـهابا
لكنْ نَـضَحْتِ أُمـومَـةً وحُبابا
تُـجزَى رِضًا من أمّـها وتُـثـابا
والسّحرُ جابَـكِ أَبْـطُحًا وهِضابا
وحَرِيّـةٌ أنْ تـحْـمِلـي الألقـابا |